من يراجع تاريخ اليهود يتبادر له السؤال التالي:
ما هو الخطأ غير الطبيعي الذي ترزح تحت نيره الشخصية اليهودية منذ أقدم العصور و إلى الآن ؟ لماذا لم تستطع كل شعوب العالم تمثُّل اليهود رغم أن البشرية في كل بقاع الأرض مزيج من العديد من الأجناس و الثقافات استطاعت أن تجعل من مواريثها المتعددة بل و المختلفة نسقا موحدا تذوب فيه المعالم التي تؤدي إلى التفرقة و التمايز؟
يعتقد المسيحيون أن بني آدم يرزحون تحت نير الخطيئة الأصلية التي اقترفها آدم عليه السلام و أتى المسيح عليه السلام ليخلصهم من ربقة الخطيئة الأصلية، فكاد له اليهود عند الرومان و حكموا عليه بالصلب. أما بالنسبة لليهود، فيذكر القرآن الكريم كيف تنكروا لرسالة موسى عليه السلام عندما عاد من ميقات ربه ليجدهم عاكفين على عبادة العجل الذهبي فباءوا بغضب الله و لعل هذا هو الإثم الذي أحاق بهم و السبب الذي جعلهم يتشردون في كل بقاع الأرض دون أن تهضمهم دورة الحياة الطبيعية التي ينصهر فيها الناس فبقوا معقدا بشريا خارج دورة التفاعل الإنساني الطبيعي الذي تذوب فيه السمات الخاصة ضمن المتحد الذي يحتضنهم . لماذا لم تستطع أية حضارة هضم الجماعة اليهودية التي عرفت بكثرة انتقالها بين شعوب الأرض، و ما هو هذا الإثم الذي جر عليهم كل ما لحق و يلحق بهم من وبال. هل السبب في الوسط الذي انتقلوا و ينتقلون إليه أم في أنفسهم؟ سؤال حري بالبحث. لماذا لا يقيم من يناصر اليهود وطنا لهم بينهم؟ لماذا لم تستطع الشيوعية جعل اليهود مواطنين أمميين رغم أن ماركس كان يهوديا؟ و لماذا لم تستطع المسيحية التي غيرت طبيعتها بانتقالها إلى الغرب من حل الإشكال اليهودي رغم أن المحافظين الجدد هم حصيلة الدس الصهيوني؟
استطاع اليهود إدخال الدسيسة في المسيحية بتحميلها كتاب اليهود الذي انتحله رابيوهم على موسى عليه السلام كما استطاعوا تبرئة أسلافهم من صلب المسيح بقرار من البابا السابق.
عرفت شعوب الشرق و الغرب هجرات عديدة تمازجت فيها الشعوب و الثقافات و القوميات لتتخذ بالنهاية اسم الأرض التي يسكنوها و التي فرضت عليهم نمط الحياة التي يعيشونها. أما اليهود فبقوا في كل متحد انتقلوا إليه معقدا منفصلا. إلى متى سيبقى اليهود على هذه الحال؟ هل السبب كامن في كل شعوب الأرض أم في أنفسهم؟ هل لنا أن نفتش عن السبب رغم أن اليهود أنفسهم أحرى بهم أن يفتشوا عن السبب و أن يسعوا لفك عقدتهم التي سببت و تسبب كل مشاكل العالم منذ وجودهم و إلى الآن؟
لعل السبب هو المعتقد اليهودي لا كما أتى به موسى عليه السلام بل كما صاغوه هم لأنفسهم ليبقوا شذاذ آفاق إلى يوم الدين.
اتخذ اليهود لأنفسهم إلها خاصا بهم دون بقية الناس هو يهوه و اعتبروا أنفسهم شعبه المختار فعزلوا أنفسهم عن باقي البشر في مسكنهم و معاشهم و أسلوب حياتهم و بقوا على هذه الحال حتى الآن.
ففي أواخر العام 1990 بلغ عدد اليهود 14،1 مليونا في كل العالم منهم 5،9 مليون في الولايات المتحدة و 4،6 مليون في إسرائيل و 700 ألف في كل من فرنسة و روسية و هي المراكز الأربعة الأكبر للاستيطان اليهودي بينما سكن حوالي500 ألف يهودي في أوكرانيا و 350 ألف في كندا و 300 ألف في بريطانية العظمى و 250 ألف في الأرجنتين و 100 ألف في جنوب إفريقية. و تدلل هذه الأرقام على أن 42% من السكان اليهود يقيمون في أمريكا الشمالية و 29% في آسية و 18% في أوربة بما فيها روسيا و 8% في أمريكا اللاتينية و 2% في أفريقية و 1% في أستراليا، فأين يكون لهم مكان في فلسطين و هم غرباء عن الأرض و السكان الأصليين الذين سميت البلاد باسمهم فلسطين منذ أقدم العصور و إلى الآن؟
ترجع كلمة يهودي إلى القرن الخامس قبل الميلاد لتدل على شعب قديم يكتنف أصوله الكثير من الغموض، و لا يعرف المؤرخون شيئا عن التاريخ القديم لبني إسرائيل الذين ادعوا حملهم ميثاقا عقد بينهم و بين يهوه الذي زودهم بقانون و بطريقة لحياتهم و وعدهم بأرض يقيمون عليها شريعتهم. و ميزوا أنفسهم عن الشعوب الأخرى التي لم تشاركهم ميثاقهم بهذه الخصوصية.
في القرن السادس قبل الميلاد سباهم نبوخذ نصر القائد البابلي و اقتادهم إلى بابل. و في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد تحدثنا المصادر القديمة عن دخول بعض الفرس و اليونان و الرومان بل و العرب في الديانة اليهودية عبر القرون التي أعقبت السبي البابلي. و أن لغة اليديش ليهود الأشكيناز في أوربة الشرقية كانت أول نمط كلامي لهم من اللغة العبرية القديمة البائدة إنما ارتكزت على اللغة الألمانية.
كانت الهوية اليهودية قيد المساءلة في القرنين التاسع عشر و العشرين الماضيين، فبعض يهود) إسرائيل) في الأرض المغتصبة فلسطين يرفضون الدين اليهودي لكنهم يؤكدون انتسابهم إلى القومية اليهودية الإثنية كصهاينة، بينما يرفض يهود الغرب القومية اليهودية و يتمسكون بالدين اليهودي، كما أن يهودا آخرين في الغرب يعتبرون أنفسهم يهودا بالتراث المميز لهم. و هنالك أيضا من يتمسكون بكليهما، فاليهودي من كانت أمه يهودية أو من اعتنق الدين اليهودي حديثا. و لهذا التعدد في الهوية يقدر عدد اليهود في العالم اليوم بأربعة عشر مليونا منهم 9و5 مليونا في الولايات المتحدة و 6و4 مليونا في (إسرائيل) و 350 ألفا في كندا معظمهم في تورنتو و مونتريال و أعدادا أقل في الأرجنتين و أستراليا و روسيا و جنوب أفريقية و أوكرانيا و أوربة الغربية بينما يتناقص عددهم بسبب انخفاض نسبة الولادات و ذوبان آخرين منهم في الشعوب التي يعيشون بينها.
تعتبر حكاية اليهود قصة معقدة، غير أن المؤرخين يستطيعون التركيز على نقاط مركزية كانت قد أطّرت حياة اليهود لأجيال، كما يستطيعون وصف مراكزهم الثقافية و منجزاتهم و كذلك المآسي التي واجهوها:
الفترة التوراتية: التي وضع فيها الكتاب العبري و ذكرت فيه و التي لا يزال الكثير منها مجهولا. فالكتب الخمسة الأولى من الكتاب العبري تسمى بالتوراة التي تعني التعليمات أو القانون، تحدثنا قصة الشعب اليهودي منذ إبراهيم الذي يعتبر الأب الأصلي لليهود و الذي تحدّر منه نبي القانون موسى عليهما السلام، غير أن معظم المؤرخين يتفقون على استحالة استخلاص معلومات تاريخية من القصص، ليس لأنهم يعتبرونها كاذبة بل لأنه لا توجد طريقة تثبتها. فعلماء الآثار الذين يدرسون آثار الحضارات القديمة التي تساعد أحيانا في إثبات إمكانية حدوث أمر ما، وجدوا المستوى المسودّ من سور جرش ما دلل على حدوث زلزال و حريق ضربا المدينة و دمراها كما ذكره يوشع، بينما يثير علماء الآثار الشكوك في مصداقية القصص التوراتية الأخرى. و في النهاية يكون الاعتقاد بواقعية كتب التوراة قضية اعتقادية و حسب رغم أنهم ينسبونها لموسى عليه السلام و هو منها براء إذ كيف لموسى أن يذكر فيها نبأ موته و دفنه إن كان هو كاتبها؟. و رغم الأسطورية الجزئية في القصص التوراتية نجد جميع اليهود تقريبا يقبلونها على أنها حقائق عالمية حتى وقت قريب، و لذلك يكون علينا أن ننظر بحذر إلى المحيط الأساس لهذه القصة مع العلم أن كل ما ينسبونه لله إنما يقصدون به إلههم الخاص بهم يهوه الذي اختصوه منذ البدء لأنفسهم ليحيكوا على أساطيره تاريخا منتحلا و حكايات فيها الكثير من أساطير الأقوام التي سبقتهم و ما أنزل الله بها من سلطان.
فيما يلي أقدم للقراء ترجمة لما أوردته موسوعة الإنكارتا عن تاريخ اليهود كما تعرضه الثقافة الغربية، أرجو الاطلاع عليه مع الإبقاء في الذاكرة السؤال بل و الأسئلة التي ذكرتها فيما سبق.
لماذا كان اليهود يعتبرون شذوذا في أي مجتمع حلوا به في المراحل التاريخية حتى الآن، منذ إقامتهم في مصر لدى فرعون، حتى احتلالهم أرض كنعان و بنائهم الهيكلين البائدين و حتى سبيهم من قبل نبوخذ نصّر ثم تشتيتهم في كل بقاع الأرض منذ 2500 سنة و حتى الآن و رغم عودة بعضهم لاحتلال بعض أراضي فلسطين لإقامة دولة الاغتصاب الصهيونية ) إسرائيل) بدعم من الولايات المتحدة و روسية مع حساب الزمن التاريخي الذي كان لهم في فلسطين و ذلك الذي قضاه معظمهم و ما يزالون في كل بقاع الأرض لنقدم السؤال التالي : أي حق لليهود في فلسطين؟
لماذا نترك اليهود يقتلون و يدمرون في بلادنا دون عقاب؟
لماذا يكفّر الغرب الظالم عن تمييزه العنصري ضد اليهود على حساب العرب و الفلسطينيين الذين هم سكان البلاد الأصليين منذ أقدم العصور و ليسوا مجرد عابرين شأن العبرانيين؟
إذا كان الإثم اليهودي ما يزال فاعلا في بني إسرائيل فذلك شأنهم و شأن مفكريهم أن يجدوا حلاّ لقضيتهم و ليس لنا أن نتحمل إصرهم.
لم يسئ المسلمون لليهود رغم كل إساءاتهم لهم. نحن لسنا ضد اليهود كبشر و لا نريد أن نأخذ حق الله منهم فالله وحده هو صاحب الحق و يذرهم في طغيانهم يعمهون، لكن بأس الله شديد. و الآن إلى الترجمة:
الصهيونية و إسرائيل من انتاج الاستعمار الأوربي- الأميركي الجديد
في عام 1948 أنشئ على أرض فلسطين العربي كيان غريب الوجه و اللسان و المعالم اسمه (إسرائيل) إثر نكبة حلت ببلاد العرب وضع فصولها و مراحلها الإنكليز و قام بتحقيق بنودها الروس و الفرنسيون و الأمريكان. و اليوم يوجد في غربي فلسطين دولة سكانها من تجمع شتات اليهود من كل أنحاء العالم استورد معظمهم من أوربة الشرقية.
تاريخ اليهود و التوراة
اليهود-عبر التاريخ-قوم سكنوا في ظروف مختلفة بين أقوام متعددة. و خلافا لما كانت عليه كل الانتقالات بين الشعوب لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو ربما سياسية بقي اليهود معقدا غير قابل للتمازج و الانحلال في المتحدات الإنسانية التي أقاموا بينها, فنشأ عن هذا كل ما أحاط باليهود عبر العصور من مشكلات نالتهم قبل كل شيء كما كان لها تأثير فيما خلفته تلك الأحوال من منطلقات استغلتها شعوب و أمم أخرى - لحاجة في نفس يعقوب- ذريعة تغطي بها مآرب استعمارية تسيطر فيها على ثروات الشعوب الأخرى سبيلا للاستعمار الجديد القديم باسم الديمقراطية أو معاداة السامية أو الشرق الأوسط الجديد و غير ذلك كثير.
في محاولة لفهم المشكلة اليهودية كان لا بد علينا من مراجعة تاريخ اليهود في العالم القديم و الحديث. أما بالنسبة لنا كشرقيين فإننا لا نفهم كثيرا مما آلت إليه المشكلة اليهودية في العالم لأن اليهود لم يكن لهم تاريخ طويل بيننا. مضى على اليهود في الشتات أكثر من 2500 سنة مما يعدون، و هم في الأصل قوم لم تستطع أية أرض و أي شعب أن تجعلهم يتفاعلون معها شأن البشر الطبيعيين لعلة في أنفسهم جعلتهم ز تجعلهم غير قابلين للتعايش. معظم تاريخ اليهود جرت أحداثه و تطوراته في العالم الغربي الذي طلع علينا مؤخرا بحل للمشكلة اليهودية على حساب الفلسطينيين الذين سميت البلاد باسمهم لأنهم كانوا و ما زالوا شعب تلك الأرض المقدسة بما وضع الله رب العالمين فيها من مقدسات تهم كل الأديان السماوية الأصلية و غير المحرفة.
لذلك اتخذت مرجعا غربيا هو موسوعة الإنكارتا أساسا لهذه الدراسة فالقضية اليهودية قضية غربية بامتياز و لا يمكن فهم تطوراتها بغير الرجوع إلى مصادرها التي نشأت فيها و تطورت لتنشئ في قلب الشرق الأوسط العريق بقدمه كيانا هجينا اسمه (إسرائيل) لا يمكن له الوجود أو الاستمرار في غير البيئة التي تطور و نشأ فيها و هي بلاد الغرب حيث يفهم الغربيون ما قاموا بصنعه منذ النشأة الأولى. فاليهود أو الصهاينة نسيج غريب عن منطقة الشرق الأوسط صغيره و كبيره، و حتى جديده أو ما يمكن للاستعمار القديم الجديد أن يطلق عليه من مسميات.
اليهود بحسب موسوعة ال(إنكارتا -2005) قوم نشأوا على ميثاق بينهم و بين إلههم الخاص بهم دون باقي الأمم - (يهوه) أو Jehova و هو اسم إله الشعب العبري الذي تٌرجم بشكل مغلوط عن النص القياسي العبري و يتألف هذا الاسم من مقطعين من حروف ساكنة لعدم وجود أحرف علة مكتوبة في العبرية (يهوه) و عند تحريك حروفه الساكنة بصوتيات كلمة تعني السيد، و قضية ما كانت تعنيه صوتيات هذه التسمية لا تزال قضية مساءلة، إذ في تفسير النصوص التي وردت فيها هذه التسمية كسفر الخروج 20:7 و اللاويين 4:11 تبدو التسمية أكثر قداسة عن أن تلفظ فكأنما هي المحرّم (تابو) لذلك استبدلتها النصوص المكتوبة للقراءة الجهرية بكلمة السيد و هي التي وردت في كتابة تصويت الحروف الساكنة التي وردت فيها لتذكر القراء بأن الاسم الأصلي محرم على النطق به. و لم يدرك التراجمة العبريون ما قصد إليه الكتبة فأوردوا التسمية كما هي – يهوه- معتبرين أن تصويتها قسم جوهري لا ينفصل عنها، مغفلين أن لفظها كان أمرا محرما، و من ذلك صدرت ترجمتهم لذلك الاسم يهوه. لكن شاهدا من آباء الكنيسة اليونانية يري أن أشكال (ياب و ياو) و هي أشكال تقليدية و كذلك الصيغ المختصرة لكلمات (ياه) كما في المزامير 68:4 مثلا و( ياهو) إنما هي أسماء علم و تدلل على أن الاسم كان في الأصل منطوقا بلفظة (يهوه) الذي يدلل بحسب علم الصرف العبري على ضمير الشخص الثالث المفرد لفعل (هو يكون)، و يشرح المترجمون القدامى ذلك الفعل بمعنى تجريدي هو أنا أكون و في الشكل المكتوب (هو الذي يكون) أو الموجود بشكل مطلق. فهذا هو إله اليهود.
أما اليهودية فهي التراث الديني لليهود المعروفين أيضا بقوم إسرائيل و هي واحدة من التقاليد الدينية القديمة، و لم تكن لفظة اليهودية و الدين اليهودي معروفة في اللغة العبرية القديمة و تكلم اليهود عن التوراة – على أنها التعاليم المنزلة على إسرائيل و التي انتدبت لهم وجهة نظر و طريقة حياة كذلك – (هلاخاه) و هي الكلمة المشتقة من العبرية بمعنى الذهاب و أصبحت تفيد الطريق أو الممر و تشمل القانون اليهودي و التقاليد و الممارسة.
كانت اليهودية هكذا في كل أشكالها التاريخية قبل تحديثها و تتضمن نظاما تراثيا متكاملا يحيط بالفرد بكليته و بالوجود الاجتماعي لليهود. واليهودية نظام تكريسي، كل شيء فيه يجب يكون تحت حكم الإله، أي بموجب النماذج الموحى بها في النظام الكوني و وفق الشرع. و قد نشأت المسيحية كواحدة من بين عدة إيديولوجيات يهودية متنافسة في فلسطين القرن الأول كما أخذ الإسلام في بدايته جزئيا من بعض المصادر اليهودية- كما تزعم الموسوعة. و لأن معظم اليهود منذ القرن السابع فما فوق قد عاشوا ضمن إطار ثقافي إما مسلم أو مسيحي فقد كان لهاتين الديانتين تأثير في التاريخ اللاحق لليهودية.
نشأت اليهودية في أرض إسرائيل بينما وجد اليهود في حين ما في كل أرجاء العالم تقريبا إما نتيجة لهجرات طواعية أو لإبعاد قسري في الشتات. ففي أواخر العام 1990 بلغ عدد اليهود 14،1 مليونا منهم 5،9 مليون في الولايات المتحدة و 4،6 مليون في إسرائيل و 700 ألف في كل من فرنسة و روسية و هي المراكز الأربعة الأكبر للاستيطان اليهودي بينما سكن حوالي500 ألف يهودي في أوكرانيا و 350 ألف في كندا و 300 ألف في بريطانية العظمى و 250 ألف في الأرجنتين و 100 ألف في جنوب إفريقية. و تدلل هذه الأرقام على أن 42% من السكان اليهود يقيمون في أمريكا الشمالية و 29% في آسية و 18% في أوربة بما فيها روسيا و 8% في أمريكا اللاتينية و 2% في أفريقية و 1% في أوقيانوسيا، فأين يكون لهم مكان في فلسطين؟
المبادئ الأساسية و المصادر: لم تكن اليهودية كتقليد ديني غني و معقد من نسق واحد قط، غير أن أشكالها التاريخية المتنوعة كانت تشترك في سمات معينة، أكثرها اعتمادا أنها كانت ديانة توحيدية تؤمن بإله ارتقائي واحد على النسق الارتقائي الذي قامت عليه حضارة الولايات المتحدة الأميركية في فهمها لفلسفة الوجود .و ذلك الإله خالق الكون و مسيّره بحكمته. و على أساس هذه الوحدانية قام الاعتقاد أن العالم ملموس و هادف لأن ذكاء إلهيا واحدا يديره فما من شيء تمارسه الإنسانية عبثا، بل كل شيء له مغزى لأن الله موجود فيما خلق-بحسب الإرتقائية الأميركيةTranscendentalism)). و يبدو عقل الله في التقليد اليهودي في كلا الترتيب الطبيعي عبر الخلق و التنظيم الاجتماعي- التاريخي لليهود - عبر الوحي. و نفس الإله الذي خلق العالم تجلى للإسرائيليين عند جبل سيناء و حصيلة ذلك التجلي كانت التوراة التي هي التوجيهات الموحى بها، و إرادة الله للناس عٌبِّر عنها بالوصايا العشر التي على الناس أن ينظّموا حياتهم فيما بينهم و مع الله بموجبها . و بالحياة وفق قوانين الله و الرضوخ للإرادة الإلهية تستطيع الإنسانية أن تصبح جزءا منسجما من الكون.
الميثاق: المفهوم الرئيس الثاني لليهودية هو الميثاق أو العهد و هو اتفاق تعاقدي بين الله و الشعب اليهودي. و بحسب التقليد اختص الإله الخالق نفسه بعلاقة ذاتية مع الشعب اليهودي في سيناء على أن يعتبروا الله ملكَهم و شرعهم الوحيد لموافقتهم على إطاعة قوانينه كما أن الله بدوره يعتبر الإسرائيليين شعبه المختار المختص برعايته.و كان كلا مؤلفي التوراة و التقليد اليهودي فيما بعد يعتبرون هذا الميثاق ذا مضمون كوني لأن يهوه و بعد محاولات متكررة فاشلة مع إنسانية عاصية ممن خلق تحوّل الله عن عصاة الناس إلى قسم خاص من خلقه هم شعب إسرائيل ليكونوا مملكة كهنة و يكون نظامهم الاجتماعي النظام الأمثل الذي نشأ وفق القوانين الإلهية ليصبح مثالا يٌحتذى للجنس البشري، و بذلك تكون إسرائيل وسيطا بين الله و الناس، يمثل كل منهما الآخر، فهم يمثلون الله على الأرض بينما يمثّلهم الله في السماء، و لعل هذا أصل العنصرية في التاريخ.
في هذه الفقرة نجد الأثر الذي تركه الفكر اليهودي في الفكر الأمريكي ما جعل نجمة داوود شعارا يوضع على الدولار و مرتكزا للمحافظين الجدد يبرر لهم دعم إسرائيل المطلق في العصر الحديث.
تحدد فكرة الميثاق أيضا الطريقة التي يٌنظر فيها بحسب العرف اليهودي لكلا الطبيعة و التاريخ إذ يكون الرفاه الإسرائيلي معتمدا على إطاعة الوصايا العشر الإلهية، و أن كلا الأحداث الطبيعية و التاريخية التي تصيب الإسرائيليين إنما تصدر عن الله متأثرة بسلوكهم الديني. و بذلك يرتبط السلوك البشري مباشرة بالمقدّر الإنساني و يركز هذا المنظور على عدالة الله في اليهودية لأن ما أصاب اليهود فرديا و جماعيا غالبا ما كان بشكل معاناة، و كثير من الفكر الديني اليهودي منذ سفر أيوب فما بعد كان تعبيرا عن مسألة تأكيد العدالة في وجه الظلم الظاهري. و بمرور الزمن عُدلت الفكرة بالاعتقاد بأن الفضيلة و الطاعة لا بد من مكافأتها و أن الخطيئة ستعاقب بعذاب الله للخطائين بعد الموت و بذلك تسدد المظالم في هذا العالم. فإهانات التسلط الأجنبي و التهجير القسري من أرض إسرائيل الذي عاناه الشعب اليهودي سيصلُح أيضا في آخر الزمان عندما سيرسل الله مسيحه الملك الذي هو فرع من بيت داوود الملكي ليعتق اليهود من العبودية و يعيدهم إلى أرضهم. فالخلاص منذ القديم كان خصلة من الفكر اليهودي. كما أن انتظار قدوم المسيح كان يتكثف بشكل خاص إبان المحن، و في النهاية رُسمت العلاقة بين فكرة الخلاص بالمسيح و مفهوم التوراة، فالفرد اليهودي عن طريق دراسته و حفاظه على وصايا الله العشر يمكنه تقريب وصول المسيح و بذلك يتخذ عمل كل فرد أهمية كونية، و هذا ما يرسخه مفهوم المحافظين الجدد في دعمهم لإسرائيل بلا حدود بعد أن كرس الصهاينة دسيستهم في المسيحية بعد تبرئه البابا اليهود من دم المسيح